يُعد مرض السكري أحد أهم العوامل المؤثرة في صحة القلب والأوعية الدموية، حيث يضاعف خطر الإصابة بالجلطات بشكل ملحوظ. فارتفاع مستويات السكر في الدم يسبب تلفًا تدريجيًا في جدران الشرايين ويزيد من احتمالية تكوّن التجلطات الدموية.
مع ازدياد أعداد المصابين بالسكري عالميًا، تبرز الحاجة لفهم العلاقة بينه وبين خطر الجلطات القلبية والدماغية. هذا المقال على صحتي24 يسلط الضوء على الأسباب العلمية والعوامل المشتركة، ويقدم نصائح عملية للوقاية وتقليل المضاعفات.
كيف يسبب السكري تغيرات في الأوعية الدموية تؤدي إلى الجلطات؟
السكري يخلق حالة بيولوجية تفضّل التجلط عبر إحداث تلف في بطانة الأوعية، زيادة الالتهاب والتأكسد، فرط نشاط الصفائح الدموية، واضطراب توازن تجلّط/انحلال الخثرة كل ذلك يجعل تشكّل الخثرات (الجلطات) أسهل وأكثر تكرارًا لدى مرضى السكري.
من أبرز الأسباب:
تلف البطانة الوعائية، ارتفاع السكر المزمن يغيّر وظيفة خلايا البطانة ويقلل من إنتاج مركبات مضادة للتجلط (مثل النيتريك أوكسيد)، مما يجعل السطح الوعائي أكثر قابلية للتلاصق الصفائحي وتشكّل لويحات تصلّبية.
الالتهاب والأكسدة، فرط الجلوكوز يؤدي إلى إنتاج جذور حرة (الإجهاد التأكسدي) وتنشيط مسارات التهابية (مثل NLRP3) التي تزيد من تَحْرُّك الخلايا الالتهابية والصفائح إلى جدار الوعاء، وتسرّع تكون اللويحات.
فرط نشاط الصفائح الدموية وتغيرات تجلّطية، في السكري تكون الصفائح أكثر حساسية وتنشط بسهولة، مع زيادة عوامل التخثر وانخفاض فاعلية نظام الانحلال (انحلال الفيبرين) بسبب ارتفاع مثبطات مثل PAI-1، فتزداد فرص تكوّن خثرة مستقرة تسد الوعاء.
لكن لماذا وكيف؟
- ضعف النيتريك أوكسيد (NO) ووظيفة البطانة: انخفاض إفراز NO يقلل التوسّع الوعائي ويزيد التصاق الصفائح. (مصدر).
- تكوّن منتجات التماسك السكرية المتقدمة (AGEs): AGEs تتداخل مع البروتينات الوعائية وتزيد الاستجابة الالتهابية وتثخّن الجدار الوعائي.
- تنشيط بروتينات PKC ومسارات إشارات خلوية ضارة: تؤدي إلى فرط النفاذية الوعائية وتروّج للتهاب مزمن.
- الإجهاد التأكسدي (Oxidative stress): يزيد من تلف الخلايا ويحوّل الشرايين لبيئة أكثر عرضة للتصلّب.
- فرط استجابة الصفائح الدموية: الصفائح في مرضى السكري تلتصق وتكوّن خثرات أسرع.
- ارتفاع عوامل التخثر (مثل فيبرينوجين) وتفعيل الجهاز التخثري: يسهّل تكون شبكة فيبرينية قوية تحجز الصفائح.
- ضعف الانحلال وارتفاع PAI-1: يعيق تفكيك الخثرة بعد تكوّنها، لذلك تبقى الجلطات أطول وتصبح أخطر.
- تغيرات في الخلايا الحمراء وزيادة لزوجة الدم: تؤدي إلى تباطؤ تدفّق الدم وظروف مواتية للتخثر.
- الاختلال الدهني: ارتفاع الكوليسترول الضار والدهون الثلاثية عند كثير من مرضى السكري يسرّع تكوّن لويحات.
- التقلبات الحادة في السكر: النوبات المتكررة من ارتفاع السكر ثم هبوطه قد تزيد الإجهاد التأكسدي وتفاقم الخطر.
- التهاب مزمن منخفض الدرجة: السيتوكينات والوسطاء الالتهابيون يهيئون بيئة لتجمع الصفيحات والليفنة داخل الشرايين.
- تأثيرات عصبية-وعائية (مثل اعتلال الأعصاب المستقل): اضطراب التحكم العصبي بالوعاء قد يؤثر على النبرة الوعائية والتروية ويعقّد الصورة السريرية.
- الاقتران مع عوامل خطر أخرى (ضغط، سمنة، تدخين): وجود هذه العوامل مع السكري يضاعف أو يزيد احتمالية التجلط (تآزر مؤذي).
السكري لا يسبب الجلطات بكيفية واحدة فقط، بل يغيّر البيئة الوعائية بطرق متعددة (التهابية، تخثرية، أيضية)، ولذلك يكون خطر الجلطات أكبر ومعقّدًا وهذا يوضّح سبب أهمية السيطرة على السكر وعوامل الخطر المرافقة لمنع حصول الجلطات.
هل يختلف خطر الجلطات بين مرضى سكري النوع الأول والنوع الثاني؟
نعم هناك اختلافات: بشكل عام يرتفع خطر الجلطات عند مرضى النوع الثاني بفعل تواجد عوامل مصاحبة (سمنة، ارتفاع ضغط، خلل شحمي)، لكن دراسات حديثة تُظهر أن النوع الأول معرض أيضًا لخطر مرتفع خصوصًا عند طول مدة المرض وارتفاع HbA1c أو وجود مضاعفات كالفشل الكلوي. الفرق الفعلي يعتمد على العمر، مدة المرض، وتحكم السكر.
النوع الثاني (T2D): عادةً يظهر في أعمار أكبر ومع عوامل مصاحبة شائعة (سمنة، مقاومة إنسولين، ارتفاع ضغط)، فينتج عنه عبء أَكبر على الشرايين وميل أعلى إلى الجلطات الإقفارية. دراسات واسعة تربط T2D بزيادة ملحوظة في مخاطر السكتة والإقفار القلبي.
النوع الأول (T1D): على الرغم من أنه غالبًا يبدأ في سن أصغر، فإن المدة الطويلة للمرض وارتفاع HbA1c والتعرض لفترات من نقص السكر الحاد أو الفشل الكلوي تزيد من خطر الجلطات وبعض الدراسات الحديثة (قومية كبيرة) أظهرت معدلات مرتفعة لكل من الجلطات الإقفارية والنزفية لدى T1D مقارنةً بمجتمع بدون سكري.
عوامل تؤثر بين النوعين وتأثيرها على خطر الجلطات:
- عمر الظهور ومتوسط العمر: T2D يظهر غالبًا في سن أكبر حيث تتراكم عوامل الخطر، فيرفع الخطر الكلي.
- انتشار عوامل مصاحبة في T2D (السمنة، ارتفاع ضغط الدم، خلل شحمي): هذه العوامل شائعة جدًا في T2D وتُعزّز الخطر التجلطي.
- مدة المرض في T1D: مرضى T1D الذين يعانون سنوات طويلة من المرض لديهم تراكم تلف وعائي يزيد خطر الجلطات؛ لذلك المدة مهمة.
- مستوى التحكم (HbA1c): ارتفاع HbA1c مرتبط بزيادة خطر الجلطات في كلا النوعين؛ الارتباط يظهر بوضوح في تحليلات وبائية. (كل زيادة 1% قد ترفع خطر بعض الأحداث القلبية).
- مخاطر النوبات الشديدة في T1D أو بعض T2D: نوبات نقص السكر الحادّة مرتبطة بزيادة المخاطر القلبية والوعائية لاحقًا؛ هذا قد يؤثر على نمط الخطر عند مستخدمي الإنسولين بكثرة.
- الفشل الكلوي واعتلال الكلية: شيوع اعتلال الكلية في أحد النوعين أو كلاهما يرفع خطر الجلطات ويغيّر التوقعات.
- الفرق في الأنماط المرضية للجلطات: دراسات كبيرة وجدت أن T1D قد يرتبط أحيانًا بزيادة نسبية في السكتة النزفية بالمقارنة مع T2D (اعتمادًا على الضبط المناعي والمدة)، بينما T2D يرتبط أكثر بجلطات إقفارية نتيجة تصلب الشرايين.
- العلاجات والدواء: استخدام أدوية مخفضة للكوليسترول وضبط ضغط الدم أقل أو أكثر شيوعًا بين مجموعات قد يغيّر المخاطر بين النوعين.
- العوامل الجينية والبيئية: قد تسهم اختلافات وراثية وسلوكية في اختلاف الأنماط الوبائية بين النوعين وتأثيرها على الجلطات.
بناءً على الأدلة الحديثة: لا يمكن القول إن أحد النوعين معفي تمامًا؛ كلاهما معرض للجلطات لكن الأسباب والوزن النسبي لعوامل الخطر يختلف لذلك التقييم الفردي (العمر، مدة المرض، HbA1c، وجود فشل كلوي، عوامل نمط الحياة) هو المحدد الحقيقي لمخاطرة كل مريض.
ما دور مقاومة الإنسولين في زيادة احتمالية التجلط؟
مقاومة الإنسولين تضع الجسم في حالة أيضية التهابية: تزيد إنتاج مثبطات الانحلال مثل PAI-1، ترفع مستويات عوامل التخثر، وتؤدي إلى فرط نشاط الصفائح الدموية والتهاب بطانة الأوعية كل ذلك يخلق حالة (ميول للتجلط).
- مقاومة الإنسولين كمحرك التهابية وأيضية: عندما تصبح الخلايا أقل حساسية للإنسولين، يزداد إفراز الإنسولين وتحدث اضطرابات في أيض الشحوم والسكريات. هذا يرفع إفراز السيتوكينات الالتهابية من النسيج الدهني ويحفز حالة التهابية منخفضة الدرجة تسرع تراكم اللويحات وتَهيّئ البيئة للخثرة.
- PAI-1 (مثبط منشط البلازمينوجين-1) كمفتاح: مقاومة الإنسولين مرتبطة بارتفاع PAI-1، وهو بروتين يثبّط آلية تفكيك الخثرة. ارتفاع PAI-1 يجعل أي خثرة تتكوّن أقل قابلية للانحلال، بالتالي تبقى أطول وتزيد فرص الإغلاق الوعائي. هذه علاقة مدعومة بمراجعات متخصصة.
- تأثير على الصفائح الدموية ونشاط التخثر: مقاومة الإنسولين تؤثر في استجابة الصفائح عبر تغييرات في إشارات داخل الصفائح وخارجها، فتزيد الالتصاق والتجمع وهذا يسرّع تشكّل الخثرات خاصة عند وجود لويحات تصلّبية.
- الترافق مع خلل شحمي وارتفاع فيبرينوجين: مقاومة الإنسولين ترتبط بملف شحمي أَقل فائدة (HDL منخفض، TG مرتفع)، ومع ارتفاع فيبرينوجين في الدم الذي يعزز التجلط ويجعل الخثرة أكثر كثافة ومقاومة للانحلال.
- دليل وبائي يدعم الرابط: دراسات ومقاييس مثل eGDR (مؤشرات لمقاومة الإنسولين) وجد أنها مرتبطة بزيادة مخاطر السكتة وأنماط التخثر المختلفة؛ كما أن خفض مقاومة الإنسولين عبر تحسين الوزن والنشاط والدواء يقلل من مؤشرات الخطر هذه.
مقاومة الإنسولين لا تعمل فقط على الجانب الأيضي (السكر والدهون)، بل تخلق بيئة بيولوجية مواتية للتجلط عبر: التهاب مزمن، ارتفاع PAI-1، فرط نشاط صفائحي، وخلل في مكونات التخثر لذلك تقليل مقاومة الإنسولين خطوة مركزية لخفض خطر الجلطات.
ما دور العوامل المصاحبة مثل ضغط الدم والكوليسترول والسمنة والتدخين في زيادة الخطر؟
هذه العوامل المصاحبة تعمل مع السكري بشكل متكامل فتضاعف من خطر الجلطات؛ إذ يضيف كل منها عبئًا على الأوعية الدموية ويزيد سرعة التصلب واحتمالية تكوّن الخثرات.
مريض السكري نادرًا ما يواجه المرض بمفرده، بل غالبًا ما يترافق مع ارتفاع ضغط الدم أو اضطراب الدهون أو السمنة، إضافة إلى التدخين الذي يُسرّع تلف الشرايين. اجتماع هذه العوامل يؤدي إلى خلل أكبر في بطانة الأوعية وارتفاع فرص التخثر، مما يجعل السيطرة عليها جزءًا أساسيًا من الوقاية.
انتبه لما يلي:
- ارتفاع ضغط الدم يرفع الضغط على جدران الشرايين المجهدة أصلًا بالسكر، ما يسرّع تلف البطانة الوعائية ويضاعف خطر الجلطات القلبية والدماغية.
- الكوليسترول الضار (LDL) تراكمه داخل الأوعية يشكل لويحات تصلب الشرايين، وعند وجود السكري يصبح تكوّن هذه اللويحات أسرع وأكثر عرضة للتمزق.
- انخفاض الكوليسترول النافع (HDL) يقلل قدرة الجسم على إزالة الكوليسترول الضار، مما يزيد احتمالية حدوث انسدادات.
- ارتفاع الدهون الثلاثية شائع في مرضى السكري ويزيد من لزوجة الدم وقابلية التخثر.
- السمنة (خاصة البطنية) ترتبط بزيادة مقاومة الإنسولين، ارتفاع الالتهاب، وارتفاع مثبطات انحلال الخثرة، ما يجعل الخطر مضاعفًا.
- التدخين يرفع الإجهاد التأكسدي ويضعف الأوعية الدموية ويزيد من التصاق الصفائح، وهو أحد أسرع الطرق لزيادة خطر الجلطات عند السكري.
- الجمع بين أكثر من عامل (مثل ضغط وسمنة وتدخين) يضاعف الخطر بصورة تراكمية، ويجعل المريض معرضًا لأزمات قلبية أو دماغية مبكرة.
إدارة هذه العوامل (ضغط، دهون، وزن، إقلاع عن التدخين) لا تقل أهمية عن ضبط السكر نفسه، بل هي ركيزة أساسية للوقاية من الجلطات.
ما أنواع الجلطات الأكثر شيوعًا عند مرضى السكري؟
أكثر أنواع الجلطات شيوعًا عند مرضى السكري هي الجلطات الإقفارية الناتجة عن انسداد الشرايين، وتشمل الجلطات القلبية، والسكتات الدماغية، والجلطات الطرفية، مع وجود خطر أيضًا لجلطات الأوردة العميقة.
مضاعفات السكري على الأوعية تميل بشكل رئيسي إلى الجلطات الشريانية، نتيجة تصلب الشرايين المزمن والالتهاب والخلل التخثري. لكن في بعض الحالات يزداد خطر الجلطات الوريدية أيضًا خاصة عند وجود السمنة أو قلة الحركة.
من اهم انواع الجلطات:
- جلطات الشرايين التاجية (القلب): السبب الأول للنوبات القلبية عند مرضى السكري، وغالبًا ما تكون أشد وأوسع انتشارًا.
- السكتة الدماغية الإقفارية: تنتج من انسداد شريان في الدماغ بسبب خثرة أو لويحة متمزقة، وهي أكثر شيوعًا من السكتة النزفية لدى مرضى السكري.
- الجلطات الطرفية (اعتلال الشرايين الطرفية): انسداد الشرايين في الساقين والقدمين، يؤدي إلى ألم مع المشي، برودة الأطراف، وفي الحالات الشديدة غرغرينا.
- جلطات الشرايين الكلوية: تؤثر على الكلى وتسرع من تدهور وظيفتها عند مرضى السكري.
- الجلطات الوريدية العميقة (DVT): أقل شيوعًا من الجلطات الشريانية، لكنها قد تحدث خاصة عند وجود سمنة أو قلة نشاط أو استخدام بعض الأدوية.
- انسداد الشريان الرئوي: غالبًا نتيجة انتقال خثرة من الأوردة العميقة، وهو خطر إضافي لبعض مرضى السكري مع قلة الحركة أو عوامل تخثر أخرى.
الجلطات الشريانية هي السمة البارزة لدى مرضى السكري، ما يجعل التركيز الأكبر على الوقاية من تصلب الشرايين وضبط العوامل المرافقة.
ما العلاقة بين مدة الإصابة بالسكري ومستوى HbA1c وخطر الجلطات؟
كلما طالت مدة الإصابة بالسكري وارتفع معدل HbA1c، زاد خطر الإصابة بالجلطات؛ إذ يتراكم التلف في الأوعية مع الزمن ويزداد مع ضعف السيطرة على السكر.
مدة المرض، السكري مرض تراكمي، وكل سنة إضافية مع عدم التحكم الجيد تترك أثرًا على الشرايين. الدراسات تشير إلى أن المرضى المصابين منذ أكثر من 10–15 عامًا معرضون لجلطات قلبية ودماغية بدرجة أعلى بكثير من المصابين الجدد.
مستوى HbA1c، هو المؤشر الأكثر استخدامًا لقياس متوسط السكر في الدم خلال 3 أشهر. ارتفاعه فوق 7% يعني أن الأوعية تتعرض باستمرار للجلوكوز المرتفع، ما يسرّع من تراكم منتجات الالتهاب والأكسدة ويزيد احتمالية الخثرات.
العلاقة التناسبية، كل ارتفاع بنسبة 1% في HbA1c يرتبط بزيادة واضحة في خطر الجلطات القلبية والدماغية.
التقلبات الطويلة الأمد، ليس فقط الارتفاع المستمر، بل أيضًا التقلبات الكبيرة في HbA1c مع مرور الوقت قد تضيف خطرًا إضافيًا.
الأهمية الإكلينيكية، هذا يوضح لماذا يُشدد الأطباء على الفحص الدوري لمعدل HbA1c، ولماذا يوصون بالحفاظ عليه ضمن المستويات المستهدفة للحد من خطر الجلطات.
الزمن والضبط هما العاملان الحاسمان: كلما زادت سنوات السكري وارتفع HbA1c، تضاعف خطر الجلطات — ما يجعل التشخيص المبكر والالتزام بالعلاج أساسيين.
كيف يؤثر السكري على الصفائح الدموية وعملية التخثر؟
السكري يجعل الصفائح الدموية أكثر لزوجة ويزيد من نشاطها، كما يرفع من عوامل التخثر في الدم، مما يضاعف احتمال تكوّن الجلطات.
عند ارتفاع سكر الدم لفترات طويلة، تتعرض الصفائح الدموية لتغيرات كيميائية تجعلها أكثر التصاقًا بجدران الأوعية وأكثر استعدادًا للتجمع. إضافة إلى ذلك، ترتفع مستويات بروتينات التخثر مثل الفيبرينوجين، بينما تقل كفاءة أنظمة إذابة الخثرات. هذا الخلل المزدوج (زيادة التجلط وضعف الذوبان) يفسر شدة الخطورة عند مرضى السكري.
يؤثر السكري على الصفائح الدموية وعملية التخثر من خلال:
- زيادة لزوجة الصفائح، السكر المرتفع يغير تركيب الأغشية الخلوية للصفائح، فتلتصق بسهولة أكبر.
- فرط النشاط، الصفائح عند مرضى السكري تُفرز مواد محفزة للتخثر بمعدل أعلى من الطبيعي.
- زيادة الفيبرينوجين، بروتين مهم في تشكيل الجلطة، يكون مرتفعًا عند الكثير من مرضى السكري.
- ضعف آلية انحلال الخثرة، الجهاز المسؤول عن إذابة الجلطات يصبح أقل فعالية بسبب ارتفاع "مثبط منشط البلازمينوجين".
- الإجهاد التأكسدي، يرفع من استعداد الصفائح للتجمع ويزيد من هشاشة الأوعية.
- النتيجة النهائية، بيئة دموية مهيأة لتشكيل جلطات أسرع وأكبر وأكثر خطورة.
ما العلامات والأعراض المبكرة التي يجب أن ينتبه لها مريض السكري لوقاية نفسه؟
الأعراض المبكرة قد تشمل ألمًا صدريًا، ضيق تنفس، ضعفًا مفاجئًا في أحد الأطراف، صداعًا شديدًا مفاجئًا، أو ألمًا في الساقين عند المشي، وكلها إشارات تستدعي تدخلًا عاجلًا.
رغم أن بعض الجلطات قد تحدث دون أعراض واضحة، إلا أن مرضى السكري يجب أن يكونوا أكثر وعيًا بإشارات التحذير المبكر، لأن التدخل السريع يحد من المضاعفات المميتة. الأعراض تختلف باختلاف مكان الجلطة (قلب، دماغ، أطراف).
من اهم العلامات:
- ألم أو ضغط في الصدر: قد يشير إلى جلطة قلبية.
- ضيق أو صعوبة في التنفس: علامة على نقص تدفق الدم للقلب أو الرئة.
- دوار أو فقدان وعي مفاجئ: قد يدل على جلطة دماغية.
- ضعف أو خدر في وجه أو ذراع أو ساق: خصوصًا إذا كان في جهة واحدة.
- صعوبة في الكلام أو ارتباك مفاجئ: علامة مبكرة للسكتة الدماغية.
- صداع شديد ومفاجئ لم يُعهد من قبل: قد يكون إنذارًا بجلطة دماغية.
- ألم في الساقين مع المشي (عرج متقطع): قد يشير إلى جلطة أو انسداد في الشرايين الطرفية.
- تورم واحمرار مفاجئ في أحد الأطراف: قد يكون دليلًا على جلطة وريدية عميقة.
على مرضى السكري عدم إهمال أي من هذه العلامات، وطلب المساعدة الطبية فورًا، لأن التأخير يقلل فرص العلاج الفعال.
كيف يمكن لمريض السكري تقليل خطر الإصابة بالجلطات؟
الوقاية تعتمد على ضبط السكر والضغط والكوليسترول، اتباع نمط حياة صحي، تناول الأدوية الموصوفة بانتظام، والإقلاع عن التدخين.
الجلطات ليست قدرًا محتومًا لمرضى السكري، بل يمكن تقليل خطرها بشكل كبير بالالتزام بالعلاج وتغيير أسلوب الحياة. الجمع بين السيطرة الطبية والعادات الصحية اليومية يمنح أفضل حماية.
اهم عوامل تقليل الخطر:
- ضبط مستوى السكر في الدم عبر الالتزام بالأدوية والحمية الموصوفة.
- متابعة ضغط الدم بانتظام والحفاظ عليه ضمن الحدود الموصى بها.
- التحكم في مستويات الدهون باستخدام الأدوية (كالستاتينات) والحمية.
- الإقلاع عن التدخين نهائيًا وهو من أقوى عوامل الخطر المشتركة.
- ممارسة النشاط البدني بانتظام كالمشي 30 دقيقة يوميًا على الأقل.
- الحفاظ على وزن صحي لتقليل مقاومة الإنسولين وتحسين الدورة الدموية.
- الالتزام بالأدوية المميعة للدم عند الحاجة: مثل الأسبرين أو غيره حسب وصف الطبيب.
- التحكم في التوتر النفسي لأنه يرفع ضغط الدم ويؤثر سلبًا على التحكم بالسكر.
- النوم الكافي المنتظم إذ يساهم في تحسين التوازن الهرموني وتقليل الالتهاب.
- المتابعة الطبية المنتظمة للكشف المبكر عن أي تغيرات أو مضاعفات.
ما أحدث ما توصلت إليه الأبحاث في العلاقة بين السكري والجلطات؟
تشير الأبحاث الحديثة إلى أن الخطر لا يرتبط فقط بمستوى السكر بل أيضًا بالالتهاب المزمن والخلل المناعي، مع ظهور أدوية جديدة تقلل من الجلطات بجانب خفض السكر.
الدراسات خلال السنوات الأخيرة أظهرت أن العلاقة بين السكري والجلطات أكثر تعقيدًا مما كان يُعتقد سابقًا. فإلى جانب ارتفاع الجلوكوز، تلعب عوامل أخرى مثل الالتهاب المستمر، التغيرات في البطانة الوعائية، واضطراب الجهاز المناعي دورًا بارزًا.
أبحاث الأدوية الحديثة أظهرت أن بعض العلاجات (مثل مثبطات SGLT2 ونظائر GLP-1) لا تقتصر فائدتها على خفض السكر، بل تقلل أيضًا من معدلات النوبات القلبية والسكتات الدماغية. كما يجري البحث في علاجات تستهدف الالتهاب المباشر كطريقة جديدة للوقاية من الجلطات.
الدراسات الوراثية بدأت تكشف أن بعض الأشخاص المصابين بالسكري يملكون استعدادًا جينيًا أكبر لتكوين الخثرات، وهو ما قد يفتح الباب أمام علاجات مخصصة مستقبلًا.
هذه الأبحاث تؤكد أن التحكم بالسكري اليوم لم يعد مجرد ضبط السكر فقط، بل يشمل معالجة الالتهاب والمناعة والدهون والأوعية الدموية لتحقيق وقاية متكاملة.
✦ الخاتمة
إن العلاقة بين مرض السكري وخطر الجلطات ليست مجرد ارتباط بسيط، بل هي سلسلة من التفاعلات المعقدة بين ارتفاع السكر في الدم، اضطراب الدهون، الضغط، والسمنة، إلى جانب العوامل الالتهابية والمناعية. لكن الخبر السار أن الوقاية ممكنة بدرجة كبيرة، عبر الالتزام بالتحكم في مستويات السكر والضغط والدهون، واعتماد أسلوب حياة صحي، والمتابعة الطبية المنتظمة. بالوعي والانضباط يمكن لمريض السكري أن يقلل بشكل كبير من خطر التعرض للجلطات ويعيش حياة أطول وأكثر صحة.
اذا كنت تريد معرفة المزيد من مضاعفات مرض السكري على الدى الطويل انصحك بمشاهدة المقال التالي: مضاعفات مرض السكري على المدى الطويل.
إرسال تعليق