يعتبر كل من مرض السكري واضطرابات الغدة الدرقية من أكثر المشاكل الصحية شيوعًا في العالم العربي والعالم، وغالبًا ما يجتمعان لدى نفس المريض. قد يتساءل البعض: ما العلاقة بينهما؟ وهل يؤثر أحدهما على الآخر؟ في الحقيقة، العلاقة بين الغدة الدرقية والسكري معقدة ومتداخلة، حيث تلعب الهرمونات الدرقية دورًا أساسيًا في عملية التمثيل الغذائي التي تتحكم مباشرة في مستوى السكر في الدم.
تشير الدراسات إلى أن مرضى السكري لديهم فرص أعلى للإصابة بخلل في الغدة الدرقية مقارنة بغيرهم، والعكس صحيح. هذا الترابط يعني أن فهم العلاقة بين المرضين يساعد على التحكم بشكل أفضل في الصحة العامة وتفادي المضاعفات. في هذا المقال نجيب على أبرز الأسئلة التي تدور في ذهن القارئ حول هذه العلاقة، بطريقة مبسطة وسهلة الفهم.
ما العلاقة بين الغدة الدرقية ومرض السكري؟
الغدة الدرقية ومرض السكري مرتبطان بشكل وثيق، إذ إن أي خلل في الغدة يمكن أن يؤثر على مستوى السكر في الدم، ومرضى السكري أكثر عرضة لاضطرابات الغدة.
الغدة الدرقية تفرز هرمونات تتحكم في سرعة الأيض، وهذه الهرمونات هي التي تحدد كيف يستخدم الجسم الطاقة. إذا زادت أو نقصت هذه الهرمونات، يختل التوازن الطبيعي للسكر في الدم، سواء من حيث إنتاجه أو استهلاكه.
تشير الأبحاث إلى أن نسبة لا يستهان بها من مرضى السكري يعانون أيضًا من مشاكل في الغدة الدرقية. بعض الدراسات تذكر أن النسبة قد تصل إلى 30% من المرضى، وهو ما يؤكد قوة الترابط بين الحالتين.
هذه العلاقة تعني أن أي مريض سكري قد يعاني من صعوبة في ضبط السكر إذا لم يتم تشخيص اضطراب الغدة وعلاجه، والعكس صحيح، فمشاكل الغدة قد تكون السبب وراء تقلبات السكر غير المبررة.
كيف يؤثر اضطراب الغدة الدرقية على مستويات السكر في الدم؟
فرط نشاط الغدة الدرقية يرفع مستوى السكر في الدم، بينما خمول الغدة قد يؤدي إلى هبوط السكر أو يجعل السيطرة عليه أصعب.
في حالة فرط النشاط، يزداد إفراز الهرمونات، فيرتفع معدل حرق الجسم للغذاء، ويزيد الكبد من إنتاج السكر. هذا يعني أن مريض السكري قد يلاحظ ارتفاعًا مفاجئًا في قراءات السكر وصعوبة في السيطرة عليه.
أما في حالة الخمول، يبطؤ الأيض وينخفض إنتاج الجلوكوز من الكبد، وقد تطول مدة تأثير أدوية السكر في الجسم. النتيجة أن بعض المرضى قد يعانون من هبوط في السكر، خاصة إذا كانوا يستخدمون الأنسولين.
الملفت أن كلا الحالتين تؤثران على التوازن الطبيعي للسكر، ما يجعل مراقبة السكر مهمة جدًا عند حدوث أي خلل في الغدة الدرقية، لضبط العلاج بشكل مناسب.
هل مرض السكري يزيد من احتمالية الإصابة بخلل في الغدة الدرقية؟
نعم، مرض السكري خاصة من النوع الأول يزيد من احتمالية الإصابة بخلل في الغدة الدرقية، وغالبًا يكون الخلل ناتجًا عن أمراض مناعية.
في السكري من النوع الأول، السبب الأساسي هو المناعة الذاتية، حيث يهاجم جهاز المناعة البنكرياس، وغالبًا ما يصاحب ذلك هجوم على الغدة الدرقية أيضًا. لهذا السبب يعتبر مريض النوع الأول أكثر عرضة لمشاكل الغدة مثل هاشيموتو أو جريفز.
أما في النوع الثاني، فالاحتمال أقل لكنه لا يزال قائمًا، إذ أن السمنة والتقدم في العمر واضطراب الدهون كلها عوامل تجعل الخلل في الغدة أكثر شيوعًا. بعض الدراسات وجدت أن ما يقارب ربع مرضى السكري من النوع الثاني لديهم شكل من أشكال اضطرابات الغدة.
هذا يعني أن المريض المصاب بالسكري، سواء من النوع الأول أو الثاني، يجب أن يكون على وعي بضرورة فحص الغدة الدرقية بشكل دوري، لأن الكشف المبكر يحمي من مشاكل أكبر ويجعل السيطرة على السكر أكثر سهولة.
هل علاج الغدة الدرقية يساعد في التحكم بالسكري؟
علاج الغدة الدرقية لا يعالج مرض السكري نفسه، لكنه يساعد كثيرًا على استقرار مستويات السكر في الدم.
عندما يكون هناك فرط نشاط في الغدة ويُعالج المريض بالأدوية أو باليود المشع أو بالجراحة، يبدأ مستوى الهرمونات في الانخفاض. هذا يقلل من إنتاج الكبد للسكر ويخفف من مقاومة الأنسولين، وبالتالي قد تنخفض قراءات السكر تدريجيًا.
في حالة خمول الغدة، يتم إعطاء هرمون بديل مثل "ليفوثيروكسين" لتعويض النقص. هذا الدواء يعيد للجسم توازنه الأيضي، ولكنه قد يؤثر أيضًا على استجابة الجسم لأدوية السكري، مما يجعل بعض المرضى بحاجة لتعديل جرعات العلاج.
الأهم أن علاج الغدة يزيل عاملًا إضافيًا كان يربك التحكم بالسكر. لذلك، لا يمكن القول إنه شفاء للسكري، لكنه خطوة أساسية تجعل السيطرة على المرض أسهل وأقل تقلبًا.
هل خمول الغدة يرفع السكر؟
خمول الغدة الدرقية قد لا يرفع السكر مباشرة، لكنه يسبب تغييرات في الجسم تجعل التحكم بالسكر أصعب على المدى الطويل.
عند وجود خمول، تقل سرعة عملية الأيض، فينخفض إنتاج الجلوكوز من الكبد. في بعض المرضى الذين يستخدمون الأنسولين أو الأدوية الخافضة للسكر، قد يسبب هذا انخفاضًا في السكر بشكل مفاجئ.
لكن على المدى الطويل، الخمول يؤدي إلى زيادة الوزن وارتفاع الدهون في الدم، وهذه العوامل ترفع من مقاومة الأنسولين. النتيجة أن الجسم يصبح أقل استجابة للأنسولين، وبالتالي ترتفع مستويات السكر ببطء مع مرور الوقت.
هذا التناقض يجعل تأثير خمول الغدة معقدًا: فمن جهة قد يسبب هبوطًا في بعض الحالات، ومن جهة أخرى يزيد خطر الإصابة بالسكري أو صعوبة السيطرة عليه بسبب السمنة ومقاومة الأنسولين.
لماذا يؤدي فرط نشاط الغدة الدرقية إلى ارتفاع نسبة السكر في الدم؟
لأن الهرمونات الدرقية الزائدة تجعل الكبد يفرز سكرًا أكثر وتقلل من فاعلية الأنسولين داخل الخلايا.
في حالة فرط النشاط، الكبد يعمل بطاقة أعلى من الطبيعي، فيبدأ بإنتاج الجلوكوز من مصادر مختلفة مثل البروتينات. هذه العملية تسمى "تكوين الجلوكوز"، وهي من الأسباب الرئيسية لارتفاع السكر عند هذه الفئة من المرضى.
إضافة إلى ذلك، فرط النشاط يزيد من تحلل الدهون وارتفاع الأحماض الدهنية في الدم، مما يقلل من قدرة الجسم على الاستفادة من الأنسولين بشكل صحيح. هذا ما يُعرف بمقاومة الأنسولين.
كما أن زيادة سرعة الأيض تؤدي إلى امتصاص أسرع للسكر من الطعام في الأمعاء، وبالتالي ترتفع مستويات السكر بعد الأكل بسرعة أكبر. لهذا السبب قد يلاحظ المريض أن التحكم في السكر يصبح أصعب حتى مع الالتزام بالعلاج.
ما تأثير استئصال الغدة الدرقية على مريض السكري؟
استئصال الغدة الدرقية لا يشفي من السكري، لكنه قد يؤثر بشكل غير مباشر على مستويات السكر خاصة بعد العملية.
بعد إزالة الغدة، يتوقف الجسم عن إنتاج الهرمونات الطبيعية، لذلك يحتاج المريض إلى تناول بدائل هرمونية بشكل يومي. هذه الهرمونات قد تؤثر على استجابة الجسم للأنسولين وتغير احتياجات المريض من علاج السكري.
في الأيام الأولى بعد العملية، قد يلاحظ المريض تغيرات واضحة في مستوى السكر بسبب التوتر الجسدي الناتج عن الجراحة. من الطبيعي أن يكون هناك ارتفاع مؤقت في السكر، وهو أمر يمكن السيطرة عليه بالمراقبة الجيدة.
عند استقرار العلاج بالهرمون البديل، يعود التمثيل الغذائي إلى حالة شبه طبيعية. حينها يصبح ضبط السكر أسهل، ويشعر المريض بتوازن أفضل إذا التزم بمتابعة الغدة والسكري معًا.
ما العلاقة بين الغدة الدرقية والبنكرياس؟
الغدة الدرقية والبنكرياس يعملان معًا في الحفاظ على توازن السكر في الدم، وأي خلل في أحدهما يؤثر مباشرة على الآخر.
الغدة الدرقية تتحكم بسرعة التمثيل الغذائي، أما البنكرياس فيفرز الأنسولين الذي يسمح للجسم باستخدام السكر كمصدر للطاقة. إذا زاد نشاط الغدة، يرتفع معدل استهلاك الطاقة، ويحتاج الجسم إلى كميات أنسولين أكبر لضبط السكر.
في حالة الخمول، تقل سرعة الأيض، وتصبح استجابة الخلايا للأنسولين أبطأ، مما يزيد من عبء العمل على البنكرياس. هذا قد يؤدي مع الوقت إلى إنهاكه إذا لم تتم معالجة الخلل.
إذن العلاقة بينهما ليست منفصلة، بل متشابكة، حيث يعتمد البنكرياس على بيئة هرمونية مستقرة توفرها الغدة الدرقية. وأي اضطراب في الغدة قد يجعل البنكرياس في مواجهة تحديات أكبر.
هل الغدة الدرقية تسبب انخفاضًا في السكر أحيانًا؟
نعم، خمول الغدة الدرقية قد يؤدي إلى انخفاض مستويات السكر، خاصة عند المرضى الذين يتناولون الأنسولين أو أدوية محفزة للبنكرياس.
السبب أن بطء الأيض يطيل مدة بقاء الأدوية في الجسم، فيصبح تأثيرها أقوى من المتوقع، وهذا يزيد من احتمالية حدوث هبوط في السكر.
إضافة إلى ذلك، خمول الغدة يقلل من إنتاج الجلوكوز في الكبد، ما يعني أن الجسم لا يملك مخزونًا كافيًا لتعويض الانخفاض المفاجئ.
هذا ما يفسر شعور بعض المرضى بأعراض مثل الدوخة، الجوع الشديد، أو التعرق الزائد عند عدم توازن الغدة. علاج الخمول بالهرمون البديل يقلل بشكل كبير من هذه النوبات ويحسن استقرار السكر.
ما أفضل طرق المتابعة لمريض السكري الذي يعاني من مشاكل في الغدة الدرقية؟
أفضل طريقة هي الجمع بين متابعة منتظمة للسكر وفحوصات دورية للغدة تحت إشراف الطبيب.
ينبغي على المريض قياس السكر بشكل متكرر خاصة عند بداية علاج الغدة أو تعديل جرعات الأدوية. هذا يساعد على اكتشاف أي تغير سريع في مستويات السكر وتجنب المضاعفات.
من المهم أيضًا إجراء فحوصات مثل TSH وFree T4 كل فترة، للتأكد من أن الغدة مستقرة وأن العلاج مناسب. هذه الفحوصات تكشف أي خلل جديد قبل أن تظهر الأعراض بوضوح.
كما أن أسلوب الحياة له دور أساسي: التغذية المتوازنة، النشاط البدني المنتظم، والنوم الكافي عوامل تساعد على استقرار كل من الغدة الدرقية والسكري، مما يقلل الحاجة لتعديلات متكررة في العلاج.
الخاتمة
العلاقة بين السكري والغدة الدرقية علاقة متشابكة ومعقدة، لكن فهمها يساعد المريض على السيطرة بشكل أفضل على صحته. فالغدة الدرقية تؤثر بشكل مباشر على التمثيل الغذائي، والبنكرياس مسؤول عن إفراز الأنسولين. وعندما يختل عمل أحدهما، تتأثر وظيفة الآخر.
ما يمكن للمريض أن يفعله هو الالتزام بالمتابعة المنتظمة، الانتباه للأعراض المبكرة، واعتماد أسلوب حياة صحي. بهذه الخطوات يمكن التعايش مع المرضين معًا بأمان وتجنب معظم المضاعفات.
إرسال تعليق